الاتجاهات المختلفة في تحديد موضوع علم الاجتماع
يتناول المقال الحالي الاتجاهات المختلفة في تحديد موضوع علم الاجتماع و المقصود بالاتجاهات المختلفة في تحديد موضوع علم الاجتماع والآراء المختلفة في تحديد موضوع علم الاجتماع
يُجمع علماء الاجتماع في مجال البحث العلمي على أن المجتمع بشتى عناصره يشمل كافة الأوجه والظواهر التي تجدر دراستها وينبغي قياسها وتحليلها؛ كذلك وتظهر أهمية علم الاجتماع فيما يسهم به من أجل الوصول إلى نتيجة تحليلية بكيفية وظيفية يمكن تطبيقها داخل السياق المجتمعي. ويُذكر أن علم الاجتماع لا يمكنه أن يشق طريقه نحو الارتقاء إذا أقحم نفسه في مجالات متعددة تتصل بجميع نواحي الحياة وشئون المجتمع.
الآراء المختلفة في تحديد موضوع علم الاجتماع:
حاول علماء الاجتماع تحديد ميدانه وتضييق موضوعاته فانقسموا في هذا الخصوص إلى ثلاث فرق:
- الفريق الأول: يذهب إلى أن موضوع علم الاجتماع هو دراسة العلاقات الاجتماعية، ويعرف رجال هذا الفريق بأصحاب (مدرسة العلاقات) ويتزعم هذه المدرسة المفكر الألماني (جورج سيمل) ومن أنصارها (ألفريد فركانت) والعلامه ماكس، ويبني هذا الفريق رأيه على أساس الفصل بين شكل العلاقات الاجتماعية ومضمونها، فإذا درست من حيث شكلها كانت موضوع علم الاجتماع، أما إذا درست من حيث مضمونها كانت موضوعا لعلم آخر، لأن العلاقات التي تنشأ بين الأفراد كالتنافس والخضوع، وتقسيم العمل والصراع موجود في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية، فهناك تنافس وصراع في شئون الاقتصاد والسياسة وبين المعتقدات الدينية، وهناك خضوع في الأسرة وفي بيوت العبادة ودور القضاء ، ووظيفة علم الاجتماع هو تحليل هذه المظاهر المختلفة للعلاقات الاجتماعية حتى تتعرف على خصائصها ومقوماته، ثم محاولة تفسيرها في صورتها المجردة بعيداً عن مضمونها الاجتماعي.
وقد كانت آراء هذا الفريق في جملتها عرضه لانتقادات وجهت إليها يمكن تلخيصها في الآتي:
- أن تجريد العلاقات الاجتماعية من تجسداتها الاجتماعية ومحاولة دراستها مجردة ينزع منها صفة الوجود المستقل (الشيئية) بحيث لا تصلح أن تكون موضوعاً للدراسة والبحث.
- ويعد تجريد العلاقات من مضمونها وردها إلى عناصر أولية مجردة يمزق وحدة العلاقات، ويقطع أوصالها، لأن من طبيعة العلاقات (كظواهر اجتماعية) المترابطة والمتداخلة وهي دائمة التفاعل والتغير وعلى ذلك فإن العلاقات الاجتماعية لا تفهم إلا بدراستها مترابطة.
- تعتبر دراسة العلاقات بشكل مجرد لا تتيح لنا الوصول إلى قواعد أو قوانين عامة، فالخضوع مثلا الموجود في الأسرة يختلف عن خضوع الأفراد للدولة، كما قد يختلف عن خضوع الأفراد في دور العبادة فكيف يمكن الوصول إلى قانون يحكم ظاهرة الخضوع في حد ذاتها ما لم يتم دراسة هذه الظاهرة في وسطها الجمعي، وتبحث داخل الحالات التي تحدث فيها، أما دراسة ظاهرة الخضوع بصورة مجردة من الواقع فإنها فكرة فلسفية خيالية لا تعبر إلا عن وجهة نظر أصحابها أكثر من تعبيرها عن حقائق الحالات الاجتماعية.
- الفريق الثاني: يذهب هذا الفريق إلى ضرورة قيام علوم اجتماعية جزئية بجانب علم الاجتماع، يتناول كل منها دراسة ناحية من نواحي الحياة الاجتماعية على أن تقتصر وظيفة علم الاجتماع العام على وضع المبادئ العامة وتصوير السمات العامة للحياة الاجتماعية، وتنسيق النتائج ووضع مناهج البحث ويشبه هذا الفريق (علم الاجتماع) بشجرة كبيرة جذورها في أرض المجتمع وساقها هو (علم الاجتماع العام) وفروعها وأغصانها هي العلوم الاجتماعية الفرعية وثمارها هي القوانين الاجتماعية وعلى ذلك فإن علم الاجتماع يحقق وظيفتين رئيسيتين :
- دراسة كل ناحية من نواحي الحياة الاجتماعية والتعمق في بحث ظواهرها للوصول إلى القوانين التي تحكمها عن طريق العلوم الاجتماعية الفرعية.
- دراسة المقومات الأساسية للحياة الاجتماعية والسمات العامة للعلاقات الاجتماعية والقوانين المنظمة لها، والقوى المؤثرة في تقدم المجتمع وتطوره.
واشتمل المؤيدين لأعضاء هذا الفريق لفيف من كبار علماء الاجتماع من أمثال دوركايم وجنزبرج وسمول ووارد وهوبهوز وغيرهم، وتعتبر آراء هذا الفريق أكثر واقعية وتعبيراً عن طبيعة علم الاجتماع وطبيعة الموضوعات التي يقوم بدراستها وبحثها.
- الفريق الثالث: وعلماؤه لا يمثلون اتجاها محددا، ولكن آراؤهم تعبر عن وجهات نظرهم الخاصة، فمنهم من يذهب إلى أن موضوع علم الاجتماع هو دراسة التغير الاجتماعي، ومنهم من يذهب إلى أن موضوعه هو دراسة النظم الاجتماعية، ومنهم من يرى أن العلم يجب أن يدرس المقومات التي تدفع بالمجتمع إلى التطور، وتؤدي به إلى الوحدة والتآلف بين أفراده.
والخلاصة التي يمكن أن نخرج بها - بصفة عامة – من وجهات النظر السابقة هي القول بأن علم الاجتماع هو علم وصفي تقريري يرمي إلى دراسة شئون الحياة الاجتماعية من ظواهر ونظم وعلاقات دراسة علمية تحليلية مقارنة لشرح ما هو واقع وليس لبيان ما ينبغي أن يكون.