علم النفس الجديد
تناول المقال الحالي علم النفس الجديد والمقصود بعلم النفس الجديد والمساهمات العلمية المؤدية إلى علم النفس الجديد و عوالم الإدراكات الحسية وفقاً لأسس المنهج العلمي
يختلف علم النفس الجديد عما هو متعارف عليه في مجال علم النفس الكلاسيكي. فعل النفس الجديد يستند إلى الأفكار والنماذج والتجارب التي جرت في الثمانينات من القرن الماضي.
المساهمات العلمية المؤدية إلى علم النفس الجديد
امتلك فرويد عبقرية عرض بنية خلقت (وضوحاً جديداً) لمجمل معاصريه. فكان يجمع، في كل متماسك، مفاهيم علم الأعصاب فكان الدماغية، والأفكار الفلسفية عن اللاوعي (التي تعززها تجارب التنويم المغنطيسي) وعن أهمية شؤون الجنس. توفي فرويد عام 1939 تاركاً أعمالاً ضخمة لكنها مليئة بالأوجه الغامضة. ومنذ موته نشأت (مدارس) منشقة. وابتعد عنه فيرينكسي وأدلر ويونغ. واتسعت الحركة بعد ذلك حتى أيامنا، حيث يمكن أن نحصي اليوم حوالي عشرين (مدرسة) مختلفة في التحليل النفسي. غير أنه بين عامي 1930 و 1960، ظلت أفكار فرويد تنتشر في العالم الغربي كله إلى درجة يمكن معها التحدث بحق عن احتكار علمي للتحليل النفسي. وظهرت التوهجات الفرويدية الأخيرة مع الفيلسوفين الماركسيين التحريفيين. و . رايش وإ. ماركوز في الستينات من القرن الحالي.
ومع ذلك ظهرت اكتشافات هامة، منذ التوليف الحاسم لفرويد، في المجالات المختلفة لعلم النفس الحيواني والإنساني. وغيرت بعمق النظرة العلمية والنماذج الرجعية، وبالتالي علم النفس بأكمله. ففي الثلاثينات من هذا القرن، ظهرت اكتشافات جديدة كثيرة في مجال علم النفس. وفي بادئ الأمر (خنقت) هذه الاكتشافات بشهرة التحليل النفسي الذي كان سائداً. لكنها فرضت نفسها شيئاً فشيئاً، لاسيما بعد الحرب، لأن جميع هده الاكتشافات كانت متقاربة فيما بينها، وانتهت بتكوين تيار رجعي رئيسي يعود إليه الباحثون أكثر فأكثر.
في سحين نقوم بعرض عام لتطور أفكار علم النفس في النصف الأول من القرن العشرين، نرى بوضوح أن منطلق ما دعي (الفردية) قد حددت معالمها بظهور مفهوم (العالم الخاص) في ميادين علم النفس (علم النفس الحيواني، والطفولي، والتعليمي والمرضي والاجتماعي...). كما في الخمسينات (أي بأكثر من نصف قرن بعد إرساء النماذج الفرويدية في علم الأعصاب وعلم الطاقة) توقف الإنسان عن كونه آلة رفع ميكانيكية بالنسبة إلى العديد من الباحثين. وساهمت جملة الاكتشافات التي سنتحدث عنها في نشر وتكامل هذا المفهوم للعالم الخاص من قبل الباحثين. وهذا المفهوم هو الذي يظهر لنا موحداً لمختلف الاتجاهات في علم النفس، بين عامي 1930 و 1950 ومنه انطلق علم النفس الجديد.
عوالم الإدراكات الحسية: العالم الحيواني ومساهمات علم أنماط السلوك
في بادئ الأمر أدخل مفهوم (العالم) أو (الكون) عبر علم أنماط السلوك وعلم النفس الحيواني قبل أن يأخذ طريقه إلى الميادين الأخرى لعلم النفس. وعلم أنماط السلوك هو دراسة عادات الحيوانات. وقد ظهرت أنماط السلوك الـحديث مع أعمال ج. فون يوكسكول. وأظهرت هذه الأعمال أن الحيوانات حسب أنواعها وحالاتها النفسية كانت تمتلك أشكالاً خاصة لإدراك بيئتها. وفي مؤلف مشهور عن علم النفس الحيواني، صادر في عام 1909، رفض فون يوكسكول النظرية القديمة التي جعلت ردات الفعل الحيوانية ناتجة عن أسباب فيزيائية - كيميائية وفتحت الطريق لدراسة الأوساط الحياتية للكائنات الحية، واضعاً مفاهيم جديدة في قلب اهتماماته.
وبكونه أول من درس الصلات بين الأجسام الحية وبيئتها، فقد برهن أن الحيوان لا يدرك، بواسطة أعضائه الحسية إلا جزءاً قليلاً من بيئته، وخاصة من (مواضيع حاملة للمعاني). وتحدد جملة إدراكاته الممكنة (عالمه الحسي الخاص المكون من مثيرات خاصة يدركها). وهو عالم من القيم الحية للحيوان، تكون فيه جميع أفعاله وردات فعله ذات معنى كما يرتبط كل ذلك بعالم الأفعال الممكنة التي ترتبط ببنية الجهاز العصبي والوسائل العضوية للحيوان. على هذه الأسس تطور علم أنماط السلوك الحديث، بـين عامي 1930 و 1960، مع أعمال المدرسة الألمانية (ن .تيمبرغن، وك . لورينتز) ويؤكد أيبل. أيبيفيذت، تلميذ لورينتز أن علماء أنماط السلوك من هذه المدرسة (درسوا السلوك الحيواني في ذاته وفي علاقاته مع محيطه الحي وغير الحي، وفي إطار فكرة التحكم والتوجيه الآلي، وتفحصوا كيف تعمل الأجهزة المنظمة للسلوك والسياق الإجمالي).
وفي عام 1935 أثبت لورينتز، مثلاً، أن العلاقات الاجتماعية أعضاء نوع معين كانت موجهة بإدراك المثيرات الخاصة الصادرة عن العناصر المتجانسة والقابلة للإدراك بصورة انتقائية. فتتقابل المنبهات المطلقة مع آليات استقبال وتنشيط هيئة داخلية تطلق (ردة الفعل الخاصة المستعدة). وانطلاقاً من ذلك درس علماء أنماط السلوك (الأوضاع المنبهة). ومنذ عام 1939، برهنت دراسات تيمبرغن حول الإغراءات المحركة لأشكال السلوك الحيواني، أن بعض عناصر الوسط الخارجي تطلق بشكل آلي بعض التصرفات النموذجية (البقعة الحمراء لمنقار النورس تطلق ضربات منقار العصفور الصغير تعبيراً عن رغبته بالزقة).
وتوضح تجارب أخرى وجود مغريات فوق عادية، يعني مطلقات اصطناعية كانت قد أعدت تظهر مميزات المطلق (مثلاً: الخطوط الثلاثة السوداء على منقار زمج الماء ذات فعالية أكبر بالنسبة إلى صغاره من البقعة الحمراء، يعني أنها تثير ضربات المنقار أكثر). في هذا النموذج (يتوجه) الحيوان باستعداداته العصبية الوظيفية الداخلية التي تقدم له إمكانات إدراك بعض الأشياء، بينما يكون (مغلقاً) أمام إدراك مؤشرات أخرى موجودة في بيئته. ويكون العالم الذي يدركه بالتالي فريداً، ويمكن رسمه بشكل بياني بواسطة بعض العناصر الرئيسية. أدت هذه الأعمال إذا إلى فكرة أن عالم الحيوان هو عالم من (المثيرات المعبرة) يعني من المنبهات الإيحائية لمعني الوضع بالنسبة إليه، وتطلق بالتالي سلوكاً معيناً.
مراجع يمكن الرجوع إليها:
- موكيالي، أليكس (1997). علم النفس الجديد. لبنان: منشورات عويدات.