الإدراك المتكيف للعالم وعلم النفس الظواهري
تناول المقال الحالي الإدراك المتكيف للعالم وعلم النفس الظواهري ومفهوم الإدراك المتكيف للعالم وعلم النفس الظواهري
ظهر حين أدخل علم النفس الظواهري مفهوم الميدان الكلي، ويشمل علم النفس الظواهري فكرة كون العالم يتكون على أساس الاعتبار للذات الفاعلة التي تدركه.
الإدراك المتكيف للعالم وعلم النفس الظواهري
ذهب علم النفس الظواهري بواسطة علماء النفس مستعينين بوسائل البحث العلمي إلى أبعد من ذلك، مستعيداً أفكار ف. برينتانو الفلسفية (1874) ثم أفكار إ. هوسيرل (1913) في تعميق فكرة الوعي التعمدي للوجود في العالم. وأفكار برينتانو الفلسفية هي في أساس الصيغة المعروفة جيداً والتي اعتمدها فلاسفة الظواهرية (الوعي هو دائماً وعي لشيء ما). (كل ظاهرة نفسانية تحتوي في ذاتها شيئاً معيناً بصفة موضوع، لكن كل واحد يحتويها على طريقته. ففي التصور يجري تصدر شيء معين، وفي الحكم يقبل كل يحب شيء، أو في الكره يكره شيء، وفي الرغبة شيء أو يرفض، وفي الحب يرغب في شيء، وهلم جرا... هذا الحضور التعمدي يخص الظاهرات النفسانية بشكل حصري. ولا تظهر أية ظاهرة فيزيائية شيئاً مماثلاً. فيمكننا بالتالي تحديد الظواهر النفسية بالقول إنها الظواهر المحتوية على موضوع معتمد فيها).
يقول سارتر إن ظهور مؤلف هوسيرل أفكار: ldeen كان أكبر حدث في الفلسفة في فتره ما قبل الحرب العالمية الأولى.. وبقدر ما هز الفلسفة كان هذا المؤلف مدعوا لهز علم النفس). وكما كان يعتبر سارتر، فإن روح الفلسفة الظواهرية (معرفة الوقائع في حقائقها الملموسة الممكنة وليس في أسبابها وقوانينها) انتشرت اعتباراً من عام 1930، وساهمت في نقد علوم النفس التي كانت تعتقد أن المعرفة النفسانية، إنما تكمن في معرفة الأسباب. من هنا ومنذ الثلاثينات، دخل الشك على وجاهة التفسير التحليلي النفساني (الذي هو تفسير سببي)، في علم النفس. ووجه علم النفس الظواهري، بمفهومه الخاص للوعي، ضربة قاضية إلى مفهوم الحياة النفسانية التي نادى بها المحللون النفسانيون. و(ليس هناك إنسان داخلي، فالإنسان في العالم، وفيه يعرف) قال ميرلو بونتى.
وبالتالي فالوعي لا محتوى له. ولا يمكن إدراك الوعي كمحل للحالات النفسية: في الإحساسات، ومشاعر القلق، والرغبات... ويكون الوعي هو الفعل الذي يعطى به لنا الحاضر والماضي، أو الفعل الذي نتوجه به نحوهما. وبالنسبة إلى علم النفس الظواهري، فلا وجود إلا لأفراد لهم علاقات مختلفة مع محيطهم. (بكلمة واحدة، للمشاعر مقاصد خاصة، تتمثل شكلاً بين أشكال أخرى - من التسامي. فالكره كره لشخص، والحب حب لشخص. ويقول جيمس: أنزع المظاهر النفسانية للكره والغضب، فلا يبقى لك إلا أحكام مجردة، وحاول أن تحقق في ذاتك الظواهر الذاتية للكره والغضب دون أن تكون هذه الظواهر موجهه نحو شخص مكروه، أو نحو شخص جائر، ويمكن أن ترتجف وأن تضرب بقبضة يدك، وأن يحمر وجهك، وتكون حالتك الداخلية كل شيء عدا الغضب والكره. أن تكره بول يعني أن تتوجه إليه كموضوع متجاوز للكره، لكنه ينبغي ألا نرتكب الخطأ العقلي ونعتقد أن بول موجود كموضوع لتصور عقلي. فالشعور يستهدف موضوعاً، لكنه يستهدفه على طريقته الانفعالية).
وفعل الوعي هو الذي يوصلنا إلى وجود عناصر (حقيقية) من العالم الذي يحيط بنا. و(الإنسان هو الوسيلة التي تظهر بها الأمور، ووجودنا في العالم هو الذي يضاعف الصلات، ونحن الذين نقيم العلاقة بين هذه الشجرة، وهذه الزاوية السماء). كذلك ينبغي أن نسجل أن كيان الأشياء يتغير تبعاً للاهتمام الذي نكنه له، وتبعاً لخططنا بالنسبة إليها. فيكفي تغيير في موقعنا المتعمد لكي لا ندرك بعض الأمور، ولكي تبرز أخرى، في حين تكون كلها (موجودة) في الوضع. ويقول سارتر، لنفترض أنني أبحث عن صديقي بيار في مقهى يتردد إليه. وحين أدخل المقهى للبحث عن بيار، يجري تنظيم تركيبي لجميع أشياء المقهى التي من المسلم وجوب وجوده أمامها. ويكون هذا التنظيم للمقهى في العمق هو العدمية الأولى.
وكل عنصر في المكان من الشخص والطاولة والكرسي يحاول أن ينعزل عن الكل المكون من مجموع الأشياء الأخرى ويقع في هذا الكل، ويدو فيه. والعمق في هذا الكل لا يرى إلا بشكل إضافي، ما هو موضوع انتباه هامشي صرف. هكذا إن العدمية الأولى لجميع الأشكال التي تظهر وتغرق في اللامبالاة الكلية بالعمق، هي الشرط لظهور الشكل الرئيسي الذي هو هنا شخص بيار. وتظهر هذه العدمية بداهة، فأكون شاهداً على الزوال المتوالي لجميع الأشياء التي أراها، وخاصة للوحدة التي تشدني إلى الخطة (وإذا كان هذا هو بيار؟) وتتحلل بعد ذلك، لأنها بالدقة (ليست هي وجه بيار). هكذا يتغير ما أدركه تبعاً لما أبحث عنه في المقهى. والعالم هو عالم بالنسبة إلي، يتكون حسب مقاصدي الأساسية ويتغير معها. إننا نرى مع هذا النمط الجديد للإنسان الذي طرحته الوجودية، كيف ترتدي هذه الوجودية مسؤولية بناء العالم الذي ندركه (بصورة متعمدة).
مراجع يمكن الرجوع إليها:
- موكيالي، أليكس (1997). علم النفس الجديد. لبنان: منشورات عويدات.