الموضوعية في البحث العلمي
تناول المقال الحالي الموضوعية في البحث العلمي ومفهوم الموضوعية في البحث العلمي والمنهج العلمي الموضوعي بصورة علمية دقيقة.
يعتبر المنهج العلمي الموضوعي من أهم المناهج التي تمهد للباحث الطريق للتحرر من النزعة الذاتية لامتلاك مكانة هامة بين العلوم الأخرى، كما يعتبر المنهج العلمي الموضوعي في علم النفس دراسة الظواهر النفسية أو الظواهر السلوكية دون أن يسقط الباحث عليها حالاته الذاتية.
المنهج العلمي الموضوعي
يستهدف المنهج العلمي الموضوعي في علم النفس دراسة الظواهر النفسية أو الظواهر السلوكية دون أن يسقط الباحث عليها حالاته الذاتية، فلا يتأثر بحثه بميوله واتجاهاته وآرائه وتعصباته أو تحيزاته بل يسجل الوقائع كما هي في الواقع بعيدة عن ذاته. فعد دراسة تطور لعب الأطفال مثلا فإن الباحث العلمي يسلخ بنفسه بعيدا عن الموقف، ويصف ويسجل كل ما يلاحظه وصفا دقيقا موضوعيا. وكذلك الحال عندما يقوم الباحث بدراسة ظاهرة السلوك الإجرامي مثلا عند جماعة من الأفراد، فإنه لا يصدر أحكاما خلقية تابعة عن رأيه الشخصي في مثل هذا السلوك ولكنه يسجله ويحاول تفسيره بالاستناد إلى الحقائق التي حصل عليها. وجدير بالذكر أن تطبيق المنهج العلمي في علم النفس ليس عملا سهلا ميسورا ذلك لأن طبيعة الموضوعات التي يدرسها علم النفس تختلف اختلافا بيناً عن طبيعة الموضوعات التي تدرسها العلوم الطبيعية.
فالسلوك الذي يدرسه علم النفس يعد ظاهرة معقدة تتدخل فيها عوامل معقدة نفسية وعقلية وجسمية واجتماعية ومادية. ومن الصعوبة بمكان دراسة أثر أي من هذه العوامل مستقلا عن غيره من العوامل الأخرى. ذلك لأن عزل هذه العوامل يعتبر عملية بالغة الصعوبة ويكفي أن نعامل أي عينة من سلوك فرد ما في موقف ما لكي يتبين مدى تداخل العديد من العوامل المتشابكة. فإذا ما تصورنا طالب يؤدي الامتحان في مادة علم النفس مثلا فإننا نلمس العديد من العوامل التي تؤثر على مستوى أدائه في هذا الموقف ومنها ما يلي:
- مستوي ذكائه.
- مقدار ما حصله من معلومات في مادة علم النفس.
- ميله نحو هذا العلم ومقدار اهتمامه.
- ما يوحد لديه من دوافع ورغبات في اجتياز هذا الامتحان.
- قدرته على التفكير في حل المشكلات النفسية.
- حالته النفسية والمزاجية والجسمية أثناء أداء الامتحان.
- سنه ومستوى نضجه العام.
- الظروف المادية المحيطة به أثناء الامتحان من حرارة ورطوبة وضوضاء وبرودة وتهرية وإضاءة.
- ما يوجد في الموقف من علاقات اجتماعية بينه وبين المحيطين به من زملاء ومشرفين.
فإذا أراد الباحث معرفة أثر أي من هذه العوامل على أداء الطالب وجب عليه أن يعد تجربة بحيث يثبت بقية العوامل أو يضبطها ثم يدرس أثر هذا العامل وحدده ويترك الحرية لهذا العامل وحده لكي يتغير. فإذا أردنا معرفة أردنا معرفة أثر الذكاء مثلا في القدرة على التحصيل في مادة علم النفس مثلا فإننا نأتي بمجموعتين من الطلاب إحداها تتمتع بمستوى عالي من الذكاء والأخرى مستواها منخفض، بشرط أن يساويا في العوامل الأخرى كالسن والجنس والبيئة الاجتماعية ونوع المدرسة وطرق التدريس والظروف الجسمية والصحية ومقدار ميولهم نحو هذا العلم. ثم نكلف كلا من المجموعتين بتعلم قدر واحد من المواد النفسية ويعد فترة من الزمن نقيس تحصيل كل من المجموعتين، ونقارن بينها فإذا حصلنا على أي فرق ذي دلالة إحصائية فلابد إذن أن يكون مرجعه هو الفارق في مستوى الذكاء وجدير بالذكر أن المنهج العلمي في مثل هذه التجارب يتطلب أن تجري التجربة على عدد كبير من الأفراد وأن تتكرر أكثر من مرة حتى يمكن الثقة فيما تعطي من نتائج وأن تكون العينة ممثلة تمثيلا حقيقيا للمجتمع الأصلي.
وإلى جانب الصعوبة في عزل العوامل المختلفة المحيطة بالسلوك والمسئولة عنه فإن السلوك نفسه يختلف عن الموضوعات المادية المحسوسة التي تدرسها العلوم الطبيعية فقياس الطول أو العرض يختلف عن قياس الشعور. ولقد اتخذ علم النفس، إلى جانب المنهج التجريبي والموضوعي، اتخذ من علم الإحصاء وسيلة مبتكرة لمعالجة ما يحصل عليه من نتائج فأصبح مثلا يعرف المتوسطات الحسابية لمجموعات مختلفة من الأفراد في القدرات التحصيلية والمعرفية وغيرها، وهكذا أصبح علم النفس يستخدم لغة الرياضة والإحصاء في عرض البيانات واستخلاص النتائج، كذلك أصبح لعلم النفس الحديث معامل مزودة بأجهزة لقياس حدة السمع الأبصار والإدراك ودقات القلب وسرعة التنفس وهكذا.
كذلك أصبح علم النفس يعتمد على المقاييس العقلية المختلفة والاختبارات الدقيقة التي تقيس الذكاء والقدرات والمهارات وسمات الشخصية المختلفة، كالخجل والانطواء والعدوان والتعاون والطموح والقلق والخوف وغير ذلك. يعتمد المنهج العلمي على دعامتين أساسيتين هما الملاحظة والتجربة فلاحظ الباحث الظاهرة ملاحظة دقيقة ويسجل ما يرى كما يصمم التجارب التي تساعده على ملاحظة السلوك في مواقف مضبوطة تشبه المواقف الطبيعية.
مراجع يمكن الرجوع إليها:
- العيسوي، عبد الرحمن (1997). أصول البحث السيكولوجي. لبنان: دار الراتب الجامعية.