المقابلة الشخصية في علم النفس
تناول المقال الحالي المقابلة في البحث العلمي و المقابلة الشخصية في علم النفس وأهمية المقابلة الشخصية في علم النفس بشكل مفصل
يستخدم كثير من علماء النفس وغيرهم من الباحثين العلميين المقابلة الشخصية، فالمقابلة الشخصية تساعد على فهم السلوك الإنساني بشكل كبير بالإضافة إلى استخدامها في علم النفس العلاجي، وفي الطب العقلي، وفي التوجيه المهني والاختيار المهني، لإمكان وضع الرجل المناسب في الوظيفة المناسبة.
المقابلة الشخصية في علم النفس
يستطيع الباحث عن طريق المقابلة أن يجمع معلومات كثيرة. كما يستطع أن يلاحظ استجابات المفحوص على هذه الأسئلة، كما يلاحظ مدى انفعاله، وتعاونه وطاعته، وكل شخصيته كوحدة متكاملة. فيمكن أن يلاحظ تعبيرات وجهه وطريقته في التعبير اللغوي، وإشاراته وحركاته ودرجة عصبيته أو هدوئه. وهكذا يحصل الباحث على مادة غنية ووفيرة عن المفحوص، يكون منها صورة شاملة عن شخصيته. ولكن من الجائز أن يتأثر الباحث بمظهر المفحوص أو بوجود سمة بارزة في شخصيته، فينتقل تأثيرها عليه في أحكامه على السمات الأخرى. فالشخص اللي يبدوا أنيقاً أو جذابا قد يعطيه الفاحص درجات عالية في سمات أخرى أما الشخص العدواني الغير جذاب فمن الممكن أن يحصل على درجات تبخس قدراته الطبيعية. كذلك يتأثر حكم الباحث بما لديه من اتجاه نحو الجمود أو تأثره بالأحكام الجاهزة الموجودة مقدما في رأسه عن سلوك طوائف مختلفة من الناس من أرباب الأجناس المختلفة أو الديانات المختلفة أو أصحاب الأحجام المختلفة. فقد يتأثر الشخص الأمريكي في حكمه على شخص من أصول أفريقية أو أيرلندي بما لديه من معلومات سابقة عن ذوي الجنس الأفريقي.
ولكن هناك وسائل مكلفة تساعد في صدق البيانات التي نحصل عليها باستخدام المقابلة. ومن ذلك تقنين المقابلة حتى يمكن تقديم نفس الأسئلة بنفس الطريقة لكل متقدم لشغل وظيفة معينة، أو لكل مريض كذاك يمكن قياس السمات كل على حدة بحيث ينتهي الباحث من الواحدة تلو الأخرى. ويمكن تطبيق مقاييس التقدير على حدة بحيث ينتهي الباحث من الواحدة تلو الأخرى. ومن الطرق المستخدمة في التأكد من صدق المقابلة تكليف باحث آخر للقيام بإجراء نفس المقابلة للتأكد من الوصول إلى نفس النتائج، فإذا حصل على نفس النتائج كانت المقابلة صادقة. ولقد كانت المقابلة التقليدية تمارس بطريقة عشوائية ولم تكن في الواقع إلا مجرد أحذ انطباعات ذاتية عن المفحوص. ولكن هناك المقابلة المقننة التي تحتوي على أسئلة مكتوبة وموحدة مثل أسئلة الاستخبار. وهناك المقابلة الفردية والمقابلة الجماعية. ولكي تنجح المقابلة في اختيار العمال ينبغي أن نحدد للباحث الصفات التي يجب أن يقيسها. وعلى كل حال وجد أن المقابلة تفيد أكثر ما تفيد في معرفة العلاقات الشخصية ودوافع الفرد نحو مهنته.
والواقع أنه لا يوجد منهج أكثر انتشارا في قياس الشخصية أكثر من منهج المقابلة، ويرجع ذلك إلى أن الباحث يستطيع أن يتناول موضوعات كثيرة بالمناقشة، وأن يلاحظ ردود أفعال المفحوص، ولكن في المقابلات غير المقننة يصعب أن يتفق باحثان في نتائجهما في قياس ظاهرة ما، ذلك لأن لكل باحث طريقته الخاصة ومنهجه الخاص أي إدارة المقابلة وسيرها. والواقع أنه لا يمكن تفسير نتائج المقابلة أو عقد المقارنة بين الأفراد ما دامت المقابلة غير مقننة. ومن بين الصعوبات الرئيسية التي تواجه إجراء المقابلة أن المفحوص يشعر بالتردد في التعبير عن مشاعره واتجاهاته بحرية وانطلاق. ويظهر أثر هذا التردد أكثر ما يظهر فيما يتعلق بالأمور الغير مقبولة اجتماعيا.
بل حتى إذا توفرت الرغبة لدى المفحوص في التعبير عن نفسه تعبيرا صادقا فإن معرفته بجوانب سلوكه ودوافعه لا شك وأنها محدودة. وإذا أخذنا بوجهة نظر مدرسة التحليل النفسي، فإن معظم دوافع الفرد تكون مجهولة بالنسبة له ومن ثم فلا يستطيع التعبير عنها. والمعروف أن مدرسة التحليل النفسي تري أن المسئول عن السلوك دوافع لا شعورية، أي لا يفطن الفرد إلى وجودها، ومن ثم فلا يستطيع شرحها أو وصفها. ولقد أقترح كارل روجرز طريقة بموجبها يستطيع الباحث أن ينفذ إلى نفس المفحوص، وبموجبها يمكن إزالة الحواجز والموانع التي تعوق انطلاق أفكار المفحوص، وانفعالاته، وذلك عن طريق خلق جو من القبول والتسامح بين الفاحص والمفحوص. ففي المواقف الاجتماعية لا يميل الفرد إلى التعبير عن مشاعره الحقيقية، ودلك لأنه إذا عبر عنها فسوف تكون محل امتحان الآخرين، أو نقدهم أو نصحهم وعلى ذلك فإنه يؤثر الصمت ولا يفصح إلا عن تلك المشاعر التي لا تجلب عليه اللوم أو النقد. والتي هو متأكد بشأنها ومتأكد من موقف المستمع بشأنها.
وبالنسبة للباحث العلمي الذي يتمتع بقدر عالي من المرونة والكفاءة الوظيفية فمن الضروري أن يمتلك القدرة على أن يتعلم كيف يصغي وكيف يبتكر طرقاً لجذب انتباه المفحوص وبالتالي ترتفع فرص إقناعه بشكل كبير. كذلك فإن استماع المفحوص لأفكاره ومشاعره سماعهما من الباحث يعطي فرصة للمفحوص لكي يصبح أكثر وعيا وإدراكا بأفكاره ومشاعره، ويعد قبول الباحث للمفحوص من الأهمية بمكان، ذلك لأنه سوف يدفع المفحوص بأن يخرج ما لديه من فِكَر ومشاعر، فضلاً عن تسهيل عملية تأثير الباحث عليه. ويلاحظ إن في إتباع هذا المنهج يصبح المفحوص نفسه هو الذي يوجه سير المقابلة وما على الباحث إلا أن ينتظر تجولات المفحوص ورحلاته الفكرية في وصف حالته وخبراته. وما عليه إلا أن يتتبع وأن يقتفي أثر الأفكار والمشكلات التي يثيرها المفحوص. وعلى كل حال، كثيرا ما تكشف هذه الطريقة عن معلومات ذات قيمة كبيرة في حياة المفحوص وذلك أكثر عما تكشف عنه المقابلة الموجهة التي تتكون من أسئلة وإجابات مجددة .
ولكن يواجه تفسير المعلومات التي نحصل عليها بالمقابلة الحرة كثير عن المشكلات. فبعد جمع كمية كبيرة من المعلومات عن طريق المقابلة يصعب على الباحث أن يفرز إلهام من الغير الهام منها. وعلى كل حال يمكن تصنيف هذه المعلومات إذا حصلنا على نقطة أو مشكلة تعد ركيزة في شخصية الفرد، أو على موقف تعتبره مفتاح لفهم شخصيته. وعلى كل حال تساعد المقابلة المفحوص على أن يتعمق، وأن يغوص في أعماق نفسه مخترقا طبقاتها العميقة. ومن ناحية أخرى تساعد المقابلة الفاحص على أن يلاحظ سلوك المفحوص، وذلك يحكم موقف العلاقة المباشرة بين الفاحص والمفحوص وعلى سبيل المثال فإن المفحوص قد ينكر وجود بعض السمات في شخصيته بينما تكشف عنها المقابلة ومن أمثلة ذلك اضطرابات النطق والكلام مثل التهتهة والثأثأة والفأفأة والتلعثم أو احمرار الوجه أو اصفراره.
ويستطع الباحث أن يتحقق من وجود هذه الأشياء على الطبيعة. وهناك بعض الأعمال التي تتطلب طلاقة لفظية مثل مهنة التدريس والوعظ والإرشاد وبذلك تكشف المقابلة عن صلاحية الفرد لها. وهناك جهود كبيرة تبذل من أجل تحسين منهج فهم المقابلة ومن أن دراسة محتواها أو مضمونها، دراسة موضوعية وعلمية دقيقة. ومن هذه المحاولات، استخدام أجهزة التسجيل والأفلام السينمائية وكتابة أسئلة المقابلة وتوحيدها. والواقع أن منهج المقابلة ما زال يحتاج إلى كثير من الدراسة والبحث إن المقابلة ليست مجرد توجيه سؤال وتسجيل الإجابة عليه ولكنها تفاعل بين شخصين. كذلك في أثناء المقابلة يلاحظ الباحث انفعالات الشخصية، ويحاول أن يستكشف منها حقائق لم يتحدث عنها المفحوص. ويجب على الباحث تهيئة الظروف التي تشجع المفحوص على التعبير عن مشاعره بصراحة وبصدق، ذلك لأن المفحوص يتحدث لأول مرة في أمور عامة أو خاصة، ويقف أمامه وجها لوجه، ولذلك يستطيع أن يلاحظ الصوت وتعبيرات الوجه وإشارات الأيدي.
مراجع يمكن الرجوع إليها:
- العيسوي، عبد الرحمن (1997). أصول البحث السيكولوجي. لبنان: دار الراتب الجامعية.